الخميس، 11 أكتوبر 2007

فاقد الشيء لا يعطيه

الكثير من الآباء يقودون أبنائهم وهم صغار إلى المسجد ، لكي يعتادوا على هذه الخصلة الرائعة للمسلم ، ألا وهي المحافظة على صلاة الجماعة ، ولكن العجيب أن الكثير من هؤلاء الصغار عندما يكبرون لا يستمرون على ما اعتادوا عليه فما السبب يا ترى ؟! وقد يكون الجواب على هذا السؤال هو : أن الآباء صحيح عودوا أبنائهم على صلاة الجماعة ولكنهم لم يغرسوا حب الصلاة في نفوسهم ، بل كانوا فقط يذكرونهم بأداء الصلاة في وقتها دون تلميح بمعنى الصلاة الحقيقية ومقصودها العبادي ، فبدلاً أن تكون صلة بين العبد وربه جعلوها عادة ليس لها روح ، فكان الابتعاد عنها من أسهل الأمور . إن غرس حب الله في النشئ ليس بالأمر الصعب وخاصة إذا كان الأب يحمل هذه الصفة في نفسه ، ليكون قدوة ولكي تكون الكلمات الخارجة من لسانة كلمات مطبقة على أرض الواقع ، فالطفل مهما كان صغيراً فهو يفهم كل سلوك يقع من الأب وخاصة الأمور العبادية .فلنكن قدوة لغيرنا . وليكن الإخلاص سائقنا إلى طريق الصلاح ، لأنفسنا ولمن حولنا .

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2007

وداعاً شهر الخير

أحزن كثيراً عندما يوشك رمضان على الانتهاء ، ذلك الشهر الذي يتضاعف به أجر العبادة ، والشهر الذي تحس أن أناسها غير الذين تعرفهم فحالهم تبدل وأصبحوا أكثر رقة وشفافية ، وأصبحت أيديهم سخية بالعطاء .
والحزن سببه الأكبر هو التفريط والتقصير ، فمهما حاولنا أن نؤدي الأعمال على أحسن وجه ، جاءت بعض المنقصات من انشغال وتسويف وتباطئ أحياناً ، فلا نجد أنفسنا وحتى شارف الشهر على الانتهاء ، فيشعر الإنسان بقرب الحساب فكأنه آخر شهر يصومه ، فكأن رمضان نذير لقيام الساعة ، فإذا لم يغفر لنا في هذا الشهر الكريم فمتى سيغفر لنا ، ففي هذا الشهر نجد من يعاوننا حيث أغلب العبادات جماعية ومنها الصيام، فيشترك الجميع فيدب فينا حماس المواصلة والاستمرار .
لكم فاضت الأعين بالدموع في صلاة التهجد ، وخاصة ليلة الـــ 27 ومنظر الدموع تنزل على وحوه المصلين في الحرم تبعث في نفوسنا الأمل بأنه لازالت الأمة الإسلامية بخير وقوة ، وقد لا يكون مستغرباً هذا الحشد الكبير المتواجد في الحرم المكي ، ولكن الغريب بالنسبة لي والذي لفت انتباهي لفيف الجماهير التي صلت بالمسجد الكبير بالكويت ، فلقد امتلأت الساحات الخارجية للمسجد في منظر لم أره من قبل ، وإن دل على شيء هذا المنظر إنما يدل على طهارة قلوب أبناء الكويت ونقاؤها ، هذا الشعب الذي يعتبر بنظر الكثير شعب مترف ، شعب لا يعوّل عليه ، ولكن الذي أثبتوه هو العكس ، ويدل على البذرة الطيبة ، ولعل هذا المنظر تكرر في بقاع كثيرة ولكني لم أشاهده لكي أعلق عليه .
وما يلفت الانتباه في الأيام الأخيرة من هذا الشهر الكريم كثرة الإعلانات في الصحف أو الشوارع والتي تدعوا إلى إقامة مسرحيات أو حفلات أو .. أو ... أو ... وكأن الشعوب كانت في سجن (فيفرفشوهم) بعد رمضان .مع أن الفضائيات لم تقصر طوال الشهر ببث سمومها ، ولهت الكثير وضيعت وقت الكثير ، ما عدا بعض القنوات الفضائية التي لا غبار عليها والتي تحمل رسالة وتثقف المسلمين فجزى الله خيراً القائمين على هذه القنوات .
وياليت أيامنا كانت كلها رمضان .
وكل عام وأنتم بخير وعساكم من عواده

للحقيقة أكثر من وجه

لكل إنسان أسلوب حياة خاصة به ، وقالب شارك في تشكيله المحيطين به من أسرة ومجتمع ، ولعل البعض يهرب من الواقع الذي يعيش فيه ويسرح في قراءة الكتب التي تأثر على سلوكه ، ويعيش الواقع الذي رسمه المؤلف ، ويتصادم مع الجو المزدحم من حوله ، وقد يؤدي بالبعض إلى الانعزال . ولعل القليل من استطاع أن يتناغم مع الحياة بصورة إيجابية، وخاصة إذا كانت البيئة من حوله موبؤة بالسلبيات المقننة ، والأفكار الهزلية السخيفة ، ويعتقد أهلها أنها الحق وأنها عادات وتقاليد يجب أن لا تمس ولا تتغير . إن للتربية دور في تغييب النشء عن الحقيقة ، إما بجهل ، أو عصبية حمقاء ، وأحياناً يكون بدافع الخوف بشتى أنواعه . فيصر المخدوع على حقيقته الزائفة ، ويجادل ويحاور ، وينشر فكرته التي تشربها من معين الأكذوبة الكبيرة ، والتي ظلت تحيط به طيلة أيامه ، وسهر الليالي الحالكة الظلمة ليعثر على النور الخافت ليغذي معتقده . إن للحقيقة أكثر من وجه ، وعلينا ألا ننظر لأي موضوع من اتجاه واحد ، بل نشاهدها كاملة جلية ، ثم نحكم عليها مكتملة ، لا أن نحصر حكمنا على جزء صغير لا يكاد يرى ولا يتواجد إلا في مجتمعنا ، لأن الحقيقة كبيرة ، ومتشعبة .

الشعور بالآخرين

طغت الحياة المادية على علاقات البشر ، وصنعت منهم قوالب لا شعور فيها ولا إحساس ، وخاصة اسمى علاقة موجودة على البسيطة وهي علاقة الأخوة في الله ، التي جعلها الله من العلاقات التي تستمر حتى الدار الآخرة ، لما لها من أهمية وتأثير على الفرد وعلى المجتمع ، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن على دين خليله فلينظر من يخالل - أو كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم - إن الشعور بالآخرين من السلوك النادر في زمننا ، مع الحاجة الماسة إليها ، فكل منا يحتاج إلى من يخرج له مكنونات نفسه ويعرضها عليه ليجد حلاً ، أو على أقل تقدير أذن تنصت لحديثه ، وتفاعل من خلال تعبيرات وجهه ، تبرهن على الاهتمام البالغ من قبله . لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم وهم أفضل من تخرجوا من جامعة محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - يتواصلون وينتفعون بأوقاتهم ، وكان شعارهم تعال بنا نؤمن ساعة ، أنه الحرص على الوقت والحرص على زيادة المودة والإيمان ، لأنهم أدركوا أن للإيمان حلاوة لا يتذوقها إلا الذي يحب في الله . لذا فقدنا حلاوة الإيمان ، لأن اختيارنا للصديق لم يكن بمواصفات إيمانية أخروية ، بل امتزجت بها الدنيا بحذافيرها حتى طغت عليها وألبستها ثوب المصلحة ، وإن لم تكن مادية . ما أحرانا أن نرجع لأرواحنا نور الأخوة الصادقة ، وأن نرسم للحياة منهج العلاقات الأبدية ، ليسير ركب التقدم وهو يحفظ لأهم كائن بشريته ، وروحه التي ضاعت في ظلام المادية المقيتة .

هل يجب أن يكون لديك جوالين

كثيراً ما كنت أشاهد أناس يحملون بأيديهم هاتفين نقالبن ، وكنت أحدث نفسي ما فائدة أن يكون لديك هاتفين ، أم هو استعراض وتباهي . حتى جاءت إجازتي السنوية ، وفي الإجازة عادة ماأرسم لنفسي خطة أسير عليها ، وتنظيم مغاير لما أنا عليه ، وخاصة في ممارسة هوايتي الأولى وهي القراءة ، وبعد ذلك أتفرغ لأسرتي . المهم أن الكثيرين لم يتركوني في حالي ، ولم يراعوا الخاصية التي أتمتع بها ، بل حاولوا مشاركتي فيها ، وغيرها من الاتصالات التي تخص عملي والتي كنت مضطراً للرد عليها وأخبارهم بأني في إجازة ياناس . حينها جاءت فكرة استعمال رقم آخر ، لايعرفه إلا المقربين من أصدقائي وأقربائي ، مع أخذ العهد عليهم بأن لا يدلوا أحداً عليها ، وهكذا شعرت بالارتياح ، والعزلة المؤقتة المريحة ، وخاصة من الذين يستعملون الهاتف فقط للحديث الطويل والذي لا طائل من ورائه غير ألم الأذنيين . فهل فعلاً يجب أن يكون لديك هاتفين ؟

ارتق بشخصيتك

ابتليت الأمة الإسلامية بمرض التبعية العمياء ، التي تجعلنا ماكثين في أماكننا ننتظر المدد من الآخرين ، مما عطل هذا الفعل فكرنا ، وأصبحنا نأخذ من العلوم المستوردة دون أن تكون لنا يد بيضاء في رقي الأمم ، وحل المشاكل الإنسانية ، مع وجود الحل بأيدينا ، ألا أننا أضعنا الوصفة التي نسير عليها للعلاج ، ولم نعد نستوعب التعامل معها . المشكلة التي نعاني منها هي أننا لا نبادر للعمل ولحل مشاكلنا ، بل ننتظر من سيأتي لإنقاذنا والأخذ بأيدينا ، وما زلنا ننتظر هذا البطل . الذاكرة التي منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان شأنها شأن أي عضو في جسمه ، إذا أهملها تعطل دورها ، وفقد الخلايا التي تقويه وتجعله نشطاً ، فنحن لم نخلق فقط لمشاهدة مخلوقات الله في الأرض والسماء دون أن نتمعن فيها ونبحث عن حكمة وجودها ، ونستفيد من حركتها . إنها الحركة التي علينا أن نتناغم معها ، وأن نصغي إلى أصوات الطيور والجداول وحتى أصوات بعض الحشرات ، ونتعلم منها ألحان وصياغة الحروف بتناسق ، مما يؤدي بمن يستمع إلينا أن تطرب أذنه بجودة الصوت والكلمات ، والوقفات التي تؤثر على سامعيها ، فيجعلهم ينقادون إلينا بحرية واقتناع دون جبر وإلزام . إنها الشفافية التي تؤهلك بأن تقف بين يديّ الله سبحانه وتعالى في السَـحر تناجيه وتطلب منه الثبات وتشكره على النعم ، فهي حياة الرخاء التي يجهلها الكثير منا ، وحياة اللهو بمغريات الحياة نفسها ، ويتناسى الكثير منا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : من عرف الله في الرخاء عرفه الله في الشدة . إذا سألت أي مسلم عن ديانته فسيجاوب في الحال : (مسلم) ، والعجيب أنه لا يسعى إلى تكوين الشخصية المسلمة في نفسه ، وأن يتصرف بمقتضى هذه الشخصية ، ويندمج في المجتمعات المختلفة دون أن تخل موازين هذه الشخصية

إننا نغبطكم يا شعب فلسطين

دائماً تفتخر الشعوب بما هو بارز في وطنها ، من تظاريس جميلة ،أو مباني شاهقة الارتفاع ، أو كتاب مرموقين ، أو لاعبين موهبين ........ولكني أرى في فلسطين ما يفتخر به كل مسلم ، وهو (( حركة حماس )) هذه الحركة ومنذ ظهورها على الساحة ، كانت سبباً في تغيير الشعب الفلسطيني إلى الأفضل ، وكانت سبباً إلى ارجاع هذا الشعب إلى ساحة الجهاد الحقيقية ، وبث روح العزة والشموخ في جسده ، إنها حركة تعمل في زمن قل فيه من يعمل باسم الإسلام - وأقصد العمل الإسلامي السياسي - مع مراعاة عدم ترك مجاهدة العدو ، ولقد قامت هذه الحركة على الترابط الوثيق بين أفرادها ، وهو الرابط الإيماني ، الذي كان سبباً مباشراً في انتصارها ، وجعلها قوة متماسكة يصعب التغلغل وضربها من الداخل .إنها حركة عملت على إصلاح ما أفسده الدهر ، وما أفسده أهل الدهر الذين سيطروا عليها أمداً بعيداً وضغطوا على الشعب بقبول رأيها ، وجعلها تعيش في أوهام الحرية التي لا تحصل إلا بالتنازل حسب اعتقادهم . هم الآن غرباء ، لأن المسلم غريب ، والإسلام سيعود غريباً ، فهل هناك أجمل من جملة (( طوبى للغرباء )) ، غرباء لأن من حولكم أضاعوا خطى الأنبياء وضلوا الطريق المؤدي إلى عزة المسلم والمسلمين ، وسيراكم العالم بأسره غرباء ، وقد تكونوا منبوذين من أقرب المقربين ، لأنهم لا يتقنون لغة الحياة ، ولا يتمتعون بجمال الطهارة ، ولا ينغمسون في أحلام العفة . الكلام لا ينتهي بإبراز ما قاموا به ، لأن أعمالهم كثيرة ، فنسأل الله لهم التوفيق وأن يبارك في عملهم ويكتب لهم النصر على عدوهم ، ويوحد كلمة المسلمين . وإن كانت هناك كلمة أخيرة فهي لشعب فلسطين فنقول : أننا نغبطكم يا شعب فلسطين بهؤلاء الرجال

غلاء المعيشة

الفقر ليس مشكلة بحد ذاته إنما المشكلة التي نعانيها هي غلاء المعيشة بصورة لا تتصور ، إن ارتفاع الايجارات في هذه الأيام جعل الفئة المتوسطة مادياً من الناس يعيشون حياة أشبه بحياة البؤساء ، الأشقياء ، الذين لا هم لهم في الدنيا سوى جلب الأموال ليضعوها في أيدي أصحاب العقارات . أتقوا الله ، أتقوا الله ، أتقوا الله ، فليس جميع من يعيش بيننا أغنياء ، هناك من جاء يخدم هذا الوطن بالمقابل يحصل على مجهوده المال ، فلقد ترك وطنه الذي يعتبر أجمل بقعة على البسيطة في نظر صاحبها ، وجاء إلى الحرارة المرتفعة ، فزادت عليه الأسعار المرتفعة . لقد عاشوا ضغوطات نفسية خطيرة ، فلقد تشتوا ليجدوا المسكن ، ليس الرخيص بل المعتدل ، فالذي يعمل في دبي نجده رحل إلى رأس الخيمة وأم القيوين ، وعجمان ، والمشكلة أن حتى المدن الأخرى أخذت تقلد المدن الكبيرة وارتفع الاسعار فيها ! إن للمسكن دور كبير في الراحة النفسية ، مما يزيد العطاء والرقي ، والغلاء الفاحش منهي عنه شرعاً ، لما يسببه من آلام نفسية وثقل على كاهل رب البيت . فرسالتي إلى صاحب العقار المؤجر : اتق الله ، فمن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة .

التقاعس المزمن

إنه التقاعس المزمن الذي يغطي مساحة كبيرة من وطننا ، إنه التخاذل عن الإشتراك في حمل هم الأمة ، لا أدري كيف يقبل الإنسان أن لا يكون له دور في الحياة ، كيف يرضى أن يعيش في هامشها ، لماذا لا يرنو إلى العلياء ، إلى المكانة الشامخة التي تنشلة من وحل اللامبالاة . ولا أستطيع أن أتصور كيف يعتقد البعض أن الأمر لا يعنيه ، ما هذه التربية التي تسلبه ذرة العاطفة التي ربما توجد فيه ؟ ما هذه التربية التي تغمس الإنسان في المادية ويكون همه السيارة - الموبايل - التسكع في الشوارع - السهر الفاحش ! ما هذه التربية التي تغرس في النشئ معنى التعصب ، والانعزال عن بني جلدته ! لا بد لنا من وقفة مع الذات ، والبحث عن خباياها لنتعرف عن أسباب العلل التي منينا بها ، وبما كسبت أيدينا. لا بد من التغير الايجابي . فاليبدء كل منا بنفسه ، ويطهرها من براثن الجاهلية، ويزيل كل تعصب طغى عليها ، ويحاول أن يرسم دمعة على خده قد تشفع له ما سبق ، ويكون مع أخوانه على قلب رجل واحد ، ضد الطغيان بشتى ألوانه . وليعلم أنه مهما حاول تجاهل الأحداث ، فلن يقوى على ذلك لأنه جزء من هذه الأمة ، وقد يأتي الدور عليه ويشعر بما يشعرون به الآخرين.

شمعة التعساء

هل يكفي أن نضيء شمعة واحدة لتنير الكون ، لتنير هذا الليل الحالك الظلمة . والتحلق حول الشمعة الواحدة ما هي إلا لحظات تسمى في عرف الناس رومنسية ، وهي حياة المترفين الذين لا يعانون غير فراق الأحبة وصدهم . أما شمعتنا فتختلف كثيراً عن هذه النظرة التخزيلية ، وعن هذه البؤرة الصغيرة ، التي تضيع فيها العقول بمجرد مرور سحاب ملكة القلوب . نعيش في غزة ، نعيش في بغداد ، نعيش في كوسوفا ، نعيش على أشراف الأقصى ، نعيش في الأندلس فهل نحتاج إلى رومانسية وضوء الشمعة الشحيحة أم نتركها لأصحاب الهوى يسهرون لياليهم بها ويطفؤونها نهاراً لكي يجيدوا النوم بمعزل عن ضجيج النور الحقيقي . شمعتنا شعلة تنير دروب المكتفين من حياة الدنيا بما لديهم من قناعة في صدورهم ، تقزم لهم الشهوات بأنواعها شعلتنا نورها يطغى على الفضائيات الممسوخة شعلتنا تقف في وجه كل ظالم صغيراً كان أم كبيراً وشعلتنا لن تنطفئ ما دمنا نبث الهواء إليها بأفواهنا

طلب العلم

إن للعلم دور كبير في رقي الأمم وبناء الحضارات ، وهو يوازي في خط سيره مع الأخلاق ، فبهما تتحقق ما تصبوا إليه الأمم ، وهي تعد من المقومات الأساسية التي تترجم أحلام الأمس على أرض الواقع . والعلم ليس مرحلة معينة من مراحل عمرنا ، أوشهادة ودرجة نصل إليها ، بل هو العمر بأكمله ، ومغبون من يظن أنه بحصوله على درجة الدكتوراة أو الأستاذية عليه أن يحصل على الراحة والمركز الراقي ، بل هي بداية مرحلة جديدة ، وهذه الشهادات ما هي إلا مفاتيح لأبواب لا تفتح إلا بالجد والاجتهاد المتواصل ، فنحن نعيش في زمن إذا وقفنا ساعة تأخرنا أعواماً وعدينا في ذيل القافلة . والعجب أن الكثير من طلابنا يكتفون بالثانوية العامة ،ويحجمون عن مواصلة تعليمهم الجامعي ، وهذه المرحلة لا تعد في وقتنا الحاضر إنجاز ، سوى أن المتخرج من الثانوية يتقن القراءة والكتابة وهذا الاتقان ليس على إطلاقه ، فقراءته وكتابته لا تختلف كثيراً عن علم القدماء من جدودنا الذين كانوا يتلقون العلم في الكتاتيب ، بل تجد بعض الذي درسوا في الكتاتيب يتفوق في علمه ، على كثير من طلاب العصر الحديث ، خاصة في الأدب والأشعار. كثيراً من جيل اليوم من الشباب يستعجل في الالتحاق بالعمل لكي يحصل على السيارات الفارهة ، فلا تتعدى طموحه سوى المركب والمظهر الخارجي ، ونظرة المجتمع إليه ، فيعتقد أن بحصوله على هذه الزخارف الدنيوية أنه حقق أحلامه فوّقف ساعة عمره عند هذه النقطة والتي لا تساوي في ميزان التقدم شيئاً ، بل هو التخلف بعينه ، ونتمنى أن يكون هذا التوقف موقؤقت. وإذا تمعنا في الطرف الآخر ، الحاصل على الشهادات العليا ، نلتمس بمناقشاته الافتقار إلى الثقافة العامة ، وأحياناً يفتقر للثقافة في تخصصه الذي تعلمه ، فعلمه غير قابل للنمو التفريعي الذي يقابل حاجات المجتمع المستجدة . فهذا كان همه من الشهادة أن يقال عنه دكتور ، وقد قيل !

رمضان والتغيير

فعلاً أن الإنسان يعيش في غفلة كبيرة ، غفلة لا يحسن معها استثمار الأيام والسنين والأوقات والأماكن ، فلقد طال نومه ولم يستيقظ إلا بعد ضياع الكثير والكثير من عمره القصير ، قد تكون شغلته فكرة حقيرة مدة يوم كامل ، ثم يعاود التفكير فيها يوماً آخر ، ثم يتذكرها مع كل موقف حياتي يلم به .لماذا لا نصنف أفكارنا ونختارها ، كما نختار طعامنا من أصناف عدة ، ونختارها لذيذة وصالحة، هل جسدنا أولى بالاهتمام من فكرنا الذي قد يقودنا إلى الهلاك أحياناً ، أليس مستقبلنا جدير بالتمعن فيه والتخطيط له ، أم هو التخبط والسبهللة ، وترك الأقدار تنزل علينا ونحن نشاهدها دون أن تطؤها أيدينا محاولة تغيرها إلى الأفضل .لقد طال السبات حتى أن شخيرنا بدأ يزعج الآخرين ، وأصبحنا نشبه الجثة الهامدة التي لا تحرك ساكناً ، بل تنتظر من يحملها إلى مثواها الآخير. شهر رمضان على الأبواب ، فبأي وجه ستقابله ، وكيف ستفتح له بابك ، فرمضان لا يحب منك تكديس الطعام في المنزل وإعلان الطوارئ ، فإذا كان حالك كذلك فأنت لم تتعرف على رمضان بالشكل الصحيح ، ولقد جاءتك الفرصة ، فلا تفلتها من يدك وعض عليها بالنواجذ .وكما قالوا رمضان مدرسة يتعلم فيها الصغير والكبير العالم والفقيه ، مدرسة لجميع طوائف الناس ، فهي المدرسة الوحيدة التي لا تتغير إدارتها ولا يستطيعون تغيرها ، ولماذا يغيرونها ونفعها يعم طائفة لا بأس بها ، فإذا كنت لم تستفد من رمضان الماضي فعليك بالجد والاجتهاد لتتغير ، والتغيير يبدأ من الآن ، فكل عمل يحتاج إلى الاستعداد وخاصة الاستعداد النفسي ، وكما يقوم الرياضي بالتسخين قبل الدخول في اللعبة فعليك أن تقوم بالإحماء اللازم وذلك بزيادة جرعة العبادات والأعمال الصالحة ، ولتكن نيتك صادقة ، فالله يؤجر على النيات الصادقة والله أعلم بالسر وما اخفيت ، فالصوم لله وهو يجزى به.كل ايام العمر مهمة ، فعلينا أن نعمل فيها كما هي تعمل فينا فكم صغير كبر وكم شاب وصل مرحلة الكهولة وكم من قوي استسلم للضعف والمرض ، هكذا تفعل الأيام بنا ، فعلينا أن نستثمر الأوقات التي تتضاعف فيها الحسنات ، وأن نتعرض لنسائم طيبها لتكون لنا عادة متأصلة نسير عليها في أيامنا التالية