الخميس، 3 أبريل 2008

الفنان فهد الكبيسي

اسم لمع في الآونة الأخيرة في مجال الغناء ، ولكنه اتجه نحو الغناء الملتزم ، الذي يخلو من فحش الكلام والمعاني ، ولعل الأجمل في أسلوب هذا الفنان هو اختياره لكلمات الفصحى التي افقدناها هذه الأيام ، والتي ترجعنا إلى الأصالة العربية ، والانغماس في بحر العربية بكل سلاسة وعاطفية .
لعل الفنان فهد الكبيسي من القلائل الذي اتبعوا هذا الخط ، وتحدى كل الظروف التي تحيط به من نظرة المجتمع ، وخاصة بعض الإسلاميين الذين يحرمون الموسيقى بشكل عام دون النظر للكلمات ، وهذا التحدي جعله دقيق الأختيار لكلمات أغانيه ، وأبحر بسفينة ابن حزم في لجج البحار ، وتصدى للأمواج العاتية حتى وصل لبر الأمان ووضع مرساته في أذن كل عربي يحترم اللغة ويحترم مشاعر الآخرين ويلقي لها بالاً .
فعلاً الأمة العربية تحتاج لمن يغني بلغتها ، لا اللغات المحلية التي تضيع العربية وتقزمها ، ولا تتعدى حدود المحلية .

الأربعاء، 2 أبريل 2008

ذكريات الدوحة

دائماً يحن الإنسان لمسقط رأسه ، المكان الذي ولد فيه وترعرع ، لأن فيها من الذكريات التي لا يمكن نسيانها ، لأنها ذكريات الطفولة التي تتسم بالحرية والنشاط وعدم المبالاة أحياناً .وكما هو معلوم أني من مواليد الدوحة ، ولقد عشت بها عشرون من الأعوام ، ولقد حفلت سنين عمري العشرين بلإثارة في أجمل معانيها ، ولأنها ماضي جميل فلا يستطيع الإنسان تهميشها ونسيانها ، لأنها مرحلة اكتساب الخبرة والمعرفة .
ولا زلت أتذكر الحي الذي عشت فيه وأسمه المطار القديم ، ولقد سمعت أنه تغير اسمه إلى الروضة ، ولا أحب تغير الأسماء لأنها تسيء إلى ذاكرة خالدة في الوجدان ، لا يحب المحب طمسه .
والذكريات في المطار كثيرة ، وأتذكر أنه عندما انتقلنا للعيش في هذا الحي كان شبه خاوياً من السكان لأن موقعة كان جنوب الدوحة وكان وقت ذاك آخر حي جنوباً ، وأتذكر أننا كنا نذهب ونصطاد الضب الذي كان يعيش في هذه المنطقة ، ليس لنأكله بل لنلعب معه ، وكنا نعاني من وجود العقارب في دارنا ، وكان في حينا مسجد واحد وكان بعيد عن منزلنا ، مما جعل والدي يتفق مع أحد الحافظين لكتاب الله أن يصلي بنا في البيت صلاة التروايح في شهر رمضان ، وكان جيراننا يأتون إلى (حوش) بيتنا ليصلوا معنا ، وكان ذلك نابع من حرص والدي على أداء صلاة الجماعة رحمه الله . ولقد تعرفت على الكثير من الأصحاب في هذا الحي الذين كان لهم دور في تغيير شخصيتي ، فأتذكر عبد الحميد الذي أهدى لي شريط قرآن للشيخ أحمد العجمي الذي كان يقرأ من سورة يوسف ، ولقد تأثرت بصوته كثيراً وأعجبت به لدرجة أني كنت أسمعه دائماً حتى وقت النوم ، وكان هذا سنة 1985 تقريباً ، وكما أهدى مع هذا الشريط شريطاً آخر عبارة عن أناشيد إسلامية للمنشد الرائع أبو راتب ، وكانت بداية سماعي للأناشيد ولقد تأثرت بهذا الشريط كثيراً حتى أن كلمات بعض الأناشيد منها أرغمتني على البكاء على حال هذه الأمة وحال المسلمين ، فمن لا يتذكر نشيدة فوق المنابر قف ونادي .
قد تكون علاقتي بالمكان تجعلني لا أنسى كل موقف مر بي وأنا صغير ، فمهما طالت السنين فستبقى الذكرى حاضرة تدغدغ مشاعري ، وتبني لي صرحاً متيناً من الحب لهذا المكان ولأهل هذا المكان .

الإنسان ذلك الآلة

مع نفحات الصباح الأولى وقبل أن تتكدر الدنيا بعوادم السيارات ، كنت خلف مقود سيارتي أنتظر أن تحمى المركبة لكي يسهل عليّ قيادتها للذهاب للعمل ، فاخذت عيناي تجول يمنة ويسرة فشاهدت أطفال ينتظرون الحافلات المدرسية ، والشوارع تعج بالمركبات ، والأرصفة تخلو من جنس عربي ، وتكاد تنفجر من عدد الآسيويين الذين يستيقظون باكراً . هذه الصورة أرخت عزائمي وأثقلت كاهلي ؛ شفقة على النفس البشرية التي بدلاً أن تدب على هذه البسيطة أخذت تجري وتلهث خلف لقمة العيش ، واستعملت كلمة تجري لأن الإنسان غدا آلة ، فحركته محدودة وتكاد رجله لا تلامس الأرض ، وإذا لا مست جلس خلف كرسي العرش الوظيفي فتأخذ أصابعه زمام الأمور لتلعب على الكيبورد . فحياتنا العملية أصبحت سهلة وميسرة وسريعة ، فالموظف ما أجمله في يومه الوظيفي الابتسامة تحط على محياه ، يقدم يد العون لكل من يحتاج للمساعدة دون تأفف أو ضجر ، فهو يسعى للتميز . ولكن بعد الثانية والنصف يخلع جلباب العمل وهذا السكون النفسي ، لتكتشف نقيض هذه الآلة ، إنسان منهك ذهنياً متعب جسدياً ، يفتقد الروح . فكما الآلة تحتاج إلى الكهرباء أو الشحن ، فكذلك هذه النفس بأمس الحاجة إلى الترويح ، والترويح ليس المقصود منه إضاعة الأوقات ، بل تمرين النفس حتى لا تجمد على وتيرة واحدة وقالب واحد ، أو تصاب بالعطب فيوقفها ، ولكن ترويح النفس يكون بالعلم فهو الغذاء ، العلم بشتى مجالاته ، وخاصة الأدب لتتناغم نفسه مع الحياة المادية ، وهو أحوج ما يكون إلى قراءة القرآن ليعيد بناء بيته الخرب ، فالنفس التي لا تحتك بكلمات الله سبحانه وتعالى تكون كما شبهها رسولنا الكريم بالبيت الخرب ، فعلينا عدم الاستهانة بمتطلبات النفس ، ونتعاهدها بالرعاية ونمدها بما يحفظ لها التوازن والاستمرارية .